في وداع “الصائغ”: أمسية وفاء لجهبذ الأدب وسند الروح في ديترويت
تحت عنوان “غياب جهبذ”، احتضنت مدينة لي فونيا بمشيغن أمسية ثقافية مؤثرة تخليداً لذكرى الأديب والناقد والبروفيسور العراقي الراحل عبد الإله الصائغ، نظمها “صالون ليفونيا الثقافي” بإشراف الكاتب مصطفى العمري. لم تكن الأمسية مجرد رثاء تقليدي، بل كانت استعادة لحضور رجل شكل مدرسة فكرية وإنسانية عابرة للحدود والأجيال.
الصائغ: الأب الروحي والطفل الذي لا يكبر
افتتحت الإعلامية أسيل رسام الأمسية بكلمات مفعمة بالشجن، واصفة الصائغ بـ “الأب الروحي” الذي لم يبخل يوماً بوقته أو علمه [01:35]. وأكدت أن الصائغ، رغم موسوعيته اللغوية وتاريخه الأدبي العريق كونه “ذاكرة وطن”، ظل يمتلك قلب طفل تدهشه التفاصيل الصغيرة وتربكه القصائد الصادقة [03:20].
الغربة والوطن: “وطن يغادرني”
تناول الباحث والكاتب محمد نعمة السماوي مفهوم الغربة عند الصائغ، مستشهداً ببيته الشهير: “ما غربتي وطن أغادره بل غربتي وطن يغادرني” [06:07]. وأوضح السماوي أن مرارة الصائغ الحقيقية كانت تكمن في “غربة العالم الذي يجري عليه حكم الجاهل”، وهي غربة فكرية أعمق من فراق الأرض [12:25]. كما قرأ السماوي قصيدة جارى فيها الصائغ، واصفاً إياه بـ “قيثارة الفن” الذي لا يموت أثره [18:16].
شهادات الرفاق: رحلة بين الطب والأدب والإعلام
تضمنت الأمسية مداخلات مميزة رسمت جوانب مختلفة من شخصية الراحل:
- الدكتور عماد نقاش (طبيب العيون): روى ذكريات إنسانية من عيادته، حيث كان الصائغ يراجعه كـ “عميد للأدب العربي” بوقار وتواضع جم، مؤكداً أن الصائغ كان يأنف التباهي بعلمه رغم جبال المعرفة التي يحملها [01:04:34].
- القنصل العراقي العام (محمد حسن سعيد): اعتبر الصائغ مفخرة للعراق، مشدداً على أن الأدباء والعلماء لا يرحلون بموت أبدانهم بل يبقون أحياء بكلماتهم وآثارهم، مستشهداً بكلمة السيد المسيح “في البدء كانت الكلمة” [24:43].
- الإعلامي سمير حداد: عرض فيلماً قصيراً تضمن مقابلات نادرة مع الراحل، أظهرت قدرته الفائقة على استحضار الشعر والذاكرة العراقية العتيقة بابتسامة طفل [37:43].
بوح القلوب: هالة شرارة وأسيل رسام
في لحظة إنسانية بالغة التأثر، تحدثت الدكتورة هالة شرارة عن علاقتها بالصائغ التي تحولت من علاقة أدبية إلى “أبوة” حقيقية [01:25:49]. وقالت بمرارة: “لا يليق بك الموت يا بابا.. بل يليق بك أن تعيش أكثر لتشعل لنا البهجة بقهقهاتك” [01:28:08].
ختام الأمسية: المثقف والمؤسسة
اختتم الكاتب مصطفى العمري الأمسية بتنهيدات فكرية، مؤكداً أن الصائغ كان “الجهبذ الذي ظل يردد: أنا لا زلت أتعلم” [01:34:56]. ودعا العمري إلى ضرورة وجود مؤسسة ثقافية تجمع شتات المثقفين في المهجر، ليكونوا صوتاً نهضوياً حضارياً كما كان يحلم الصائغ [01:38:46].
رحل عبد الإله الصائغ بجسده، لكنه ترك في ديترويت وكل مغترب سراجاً من الكلمات لا يطفأ، وذاكرة تتجدد مع كل قصيدة ونقد وضحكة عراقية أصيلة.
رابط الأمسية كاملة: شاهد من هنا


